رسائلي إليها
(٢)
انشغلتُ بأخرة في حياتي ونسيتُ رسائل أ. س.، والآن بعد أن وجدتُ فُسحةً في يومي فإني سأفتح لكم رسالة أخرى، لقد اختصر عليّ وقتًا بتأريخِه الرسائلَ من الخارج، فهي مرتبةٌ أمامي، فالرسالة التي سأوردُها لكم كُتبت بعد الرسالة الماضية، فنحنُ نسيرُ على ترتيب زمني صحيح.
هذه الرسالة فيها أمورٌ كثيرة، فيها ذِكرٌ للناس، وشيءٌ من شِعرٍ قليل، ومنام!
وفيها يُقدّم وعودًا ويقرّر مشاعرَها، ولو كان هذا حقًا لا توهّمًا منه فلم لم يسلمها هذه الرسائل؟ لقد كان يعيش في عالم صنعَه بيدِه.
قال العاشق:
عزيزتي،
لم يغفُ خاطري عنك لحظة، ولم تنشغل نفسي بغيرك، يومٌ فيومٌ، وشهرٌ فشهر، وعامٌ فعام، فإن رأيتني أرمي ببصري إلى السماء تارة، وإلى موضع خطواتي تارة؛ فاعلمي أني أحمل نفسي على ذلك حملًا، اتقاءً واحترازًا، فإن الناس لا يدعون قالةً لا يقولونها فينا لو أقبلتُ عليك وأقبلتِ عليّ، فثِقي بثبات حُب فتاكِ، فإنه ما بدّل ولا تبدّل، ولا غيّرَ ولا تغيّر، وستبقين له غاية مناه، وجنةَ روحه، ما نظر ناظر، وغنّى شاعر.
أتعلمين؛ كنتُ شغوفًا بالناس، أنشدهم أشعاري، وأروي لهم أخباري، فأصبحتُ لا أحفل بناطق، ولا أولي إنشادي لسامع، وكم استُنشدتُ فغلبَني الهُيام، واستهامتني الفكرة، ووجمتُ وجومَ المحزون، إذ كان كلّ حرف في شعري مسلكه إليك، ومعقوده عليك، وجماله يباهي بحضورك، وإني لأرفع حُبي النقي، عن كل متلقّف لقوافيّ النقية، هي لك وحدك، لك أنتِ فقط.
دعي ذلك، رأيتك ذات منام، وقد فاخرتِني بساعتك، أذكر الموقف أنني كنت أمسك ساعةً فضية، فلما رأيتِها تذكرتِ ساعتك فاقتربت مني، وقربت ساعتك إلى ساعتي، أذكر ساعتك جيدًا؛ كانت زرقاء السير، سوداء الإطار، تمسكها أنامل ألطف من حفيف الأزهار، وأملح من بواكير النهار، فصحوت سعيدًا منشرح الصدر، وأنشدت الأبيات:
رأيتُكِ في حُلمي وعندك ساعةٌ
وأنتِ بها مشغوفةُ القلب مُعجبةْ
فإن صدق التأويلُ فهو لقاؤنا
على غبطةٍ من غير سوء ومَعتبَةْ
وقد رأيتك بعدها، نعم لم نجتمع، وليست تلك عادتنا، وقد كان ذلك يكفيني والله، وقد صدق التأويل وكنت مغتبطًا حقّ الاغتباط، ومسرورًا حق السرور، والحمد لله.
أكتب الآن قُبيل الفجر؛ وفي نفسي من معاني الشوق إلى رؤيتك؛ ما لا يستوفيها أن أقول: أنا مشتاق. أنا مشتاق.
المخلص لك للأبد أ. س.
**
ما رأيكم بهذه الرسالة، لا أدري لم يتفعّل عندي نظام النقد، مع أن الرسالة شاعرية ليس للمنطق فيها مكان، يقول أنه تأوّل الساعة ساعةَ وَصْل، فما باله كان وصلًا بلا احتماع؟ أن لقيها ولم يلقَها في نفس الوقت؟ هذا الرجل عجيب غريب، أترونه صادقًا أم واهمًا؟
رؤيتُه لمحبوبتِه كفاهُ، من يخافُ أعينَ الرُّقباء يحفلُ بالنظرة!
ردحذف- J
سمعت شيخا يقول: أحلام العشاق لا يلتفت لها ولا تُعبّر، فهي أحاديث نفس. أما أنا فأرى فيها رحمة خفية، فكم فيها من ترويح وتسلية لنفس العاشق المكلوم، مثل أ، س، ولا أحسبه الا صادقا جمعه الله بمن يحب
ردحذفهل قصة ذاك الرجل حقيقة، أم أنك أنت من تكتب ذلك؟
ردحذفعلى كل حال جمعه الله بمن يحب. ):