الحلُّ لكلّ شيء
حين يجلس وحدَه رجلٌ كثير التفكير والقلق تصل به أفكارُه إلى مُعضِلاتٍ لا حلّ لها، ولا يرتاح باله حتى يبلغ بعَقْدِه الأفكارَ شِباكَ المسائل المُعضِلة. فتراه يُفكّر في وظيفته فيقول: كيف أكون موظفًا صالحًا والمؤسسة فاسدة؟ ما الذي أفعله إن كنتُ لا أُقدَّر بل لعلي أحاسب ظُلمًا إذا كنتُ موظفًا مثاليًا شغوفًا بالتصحيح، فيرتاح إلى أن المثالية مستحيلة بوجود المؤسسة الفاسدة، وأنه لا تصح المثالية حتى تصلح المؤسسة وهذا أمر خارجٌ عن إرادته، ثم يرفع كتفيه وكفيه، ويقوّس شفتَيه مُبَرْطِمًا، ويرتاح لبلوغه هذه المعضلة. أسمعك تسألُ ما البَرْطمة؟ هي العُبوس في انتفاخ يظهر جليًا في الشفة، قال أبو عبيد: البِرطام الضخم الشفة. وقال ابن دُريد: وهو البُراطِم. وأنشد:
مُبَرْطِمٌ برطمةَ الغضبانِ
بشفةٍ ليست على أسنانِ
وبذلك نُسمي الشفة بُرْطُمًا، ولا أجدُها كذا في غير كلام الناس.
نعود لصاحبِنا؛ تراه بعد ذلك يُفكّر في الزواج وقد جاوز الثلاثين، ويقول: أنا أريد أن أتزوّج ولكن أخشى أولًا ألا يكفي راتبي، فتخيل لو جهدنا بسبب قلة راتبي! وأيضًا ما الذي أفعله لو اختلفنا ولم ترضَ بالكلام العقلاني! [هكذا يسمع في المواقع أن النساء مجنونات، ويصدق هذا] ثم يقول: يا أخي الزواج معضلة لا حلّ لها!
وهكذا دوالَيك، لا يُدير فكره في شيء حتى يُغلقه بتخيّلات يظنها مُعضلات، ويرتاح بإغلاق باب التفكير، فهل لهذه المعضلات حلّ؟ الدنيا كلها مُغلقةٌ على بعضها، لا تنزل فيها واديًا إلا أحاطت بك مكاره لن تُحسن التعامل معها، فما الحل؟ ما الذي يُصلح الإنسان، ويصلح دنياه وأخراه؟
إني نظرتُ في هذا الأمر مرارًا، ولم أعلم أن الإجابة أمام عيني، أنظرُ إليها ولا أعلم أنها الإجابة والحلّ لكل شيء.
ما الذي أريده؟ أريد ألّا أخطئ! أما بالاعتماد على عقلي ونفسي فإني لن أصيب وأنا أريد ألا أخطئ، فلذلك ثمَّ حلٌّ واحد؛ وهو أن أتابع من لا يخطئ، كلّ شيء يفعله صواب، وكل نصيحة منه لا تقبل الخطأ موضوعيًا لا نسبيًا، هل في الناس مثله؟ نعم اللهم صلِّ وسلّم وبارك عليه.
انظر في سيرة النبي ﷺ وأحاديثه الطيّبة، واحذُها ولا تخرج عنها، وبذلك لن تُخطئ في تعاملك مع أحد، وليكن هذا جناحك الأوّل، وجناحُك الثاني إذا لم تستحضر موقف النبي ﷺ من كلّ صغيرة وكبيرة في حياتك، فإن لديك مفهومًا أوسع وهو التقوى، تقوى الله ﷻ فإنك لو اتقيت الله في حياتك لم تكن ملومًا ولن تزلّ في شيء قطّ، تقوى الله تقصم الرأي القائل أن الاختلاف بين الناس لا بدّ منه، فهل تتصوّر خلافًا بين اثنين جعلا التقوى نهجًا لهما؟ أكانا متبايعين أو متزوجين أو متضايقين أو ما شئت مما يتفاعل به الناس بينه بعضهم بعضًا.
والمرء لو اتقى الله جعل له مخرجًا، ورزقه الله من حيث لا يحتسب، فتجده يغض بصرَه تقوًى، ويسلّم تقوًى، ويُميط الأذى عن الطريق تقوًى، ويدعو لمن وقف بجانبه تقوًى، ويعفو عمن أساءَ إليه تقوًى، هل يتركه الله ﷻ يواجه معضلات الحياة وحدَه؟
يجلس رجل إلى مائدة أعدتها زوجته فيذوق الطعام فيجده خاليًا من الملح، فيتّقي الله أن يقول ما لا يرضيه، أو ينطق ما يُحزن من حوله، فيأكل ويستحسن ويحمد الله. ويريد آخر أن يخرج سيارته مستعجلًا فيجد عاملَ النظافة قد وقف خلف السيارة يقمّ، فيكون بين أن ينزرَه فيرتبك العامل ويتنحى، وبين أن يتقي الله في المسكين ويتركه ينهي عمله، فيتقي الله ويتركه ويبتسم له وهو خارج، فلعلّ الله يغفر له بهذه الرحمة.
التقوى حلٌّ لكلّ شيء.