الأحد، 20 أبريل 2025

أحاديث الظهيرة

 أبغض من مقدمات الروايات ما يذكر في البداية تاريخًا لا يهم أحدًا، ولا تستطيع تذكره أصلًا، إن كان ولا بدّ فاذكر الحقبة بشكل عام، هذا تفضيلي ولا أقول رأيي، الأمر لا يرقى إلى التَّرَئّي، طرأت لي هذه المقدمة لأني كدت أبدأ المقالة بتاريخ اليوم الذي هو 20 أبريل 2025، لقد ذكرته مع ذلك!

بودي لو أن لمجتمع القراءة في مواقع التواصل ترابطًا أكثر مما أجد، فقد تابعت مجموعة من الغرب الذين يصنعون محتوى متعلق بالكتب فوجدته ممتعًا لسبب؛ أن غالب من يصنع المحتوى لا يتعدى الروايات، والروايات لا تشكل تحيّزًا للمرء، أما عندنا العرب فما أكاد أتابع صانع محتوى قارئًا إلا أجده مولعًا بالفلسفة، ولوع المُسلّم، فتجده فعلًا يعتقد بفلسفة هذا أو ذاك، وهذا التحيّز يشكّل المرء شكلًا، ويجعله مائلًا متعصّبًا لا محالة للفلسفة التي يعتقدها، فيصبح إنسانًا بغيضًا لا يُحتمل ثِقْلُه.

القراء عندنا يساوون بشكل أو بآخر الكتّاب عندهم، قد أصابت الغرب لوثة الفلسفة فصاروا لا يكتبون لأجل المتعة، أو التعبير عن الإنسان كما كان يفعل الروس في عصرهم الذهبي، وإنما يكتبون خدمةً لفلسفة ما، والكاتب الملتزم دائمًا يخسر في رهان الخلود الذي ينشده الكتاب، لأن عامة البشر لا تهمهم أفكار اعتباطية فكّر بها فيلسوف في جحره، نعم الفلسفات ليست علمًا، هي أفكار صاغها أصحابها وألزموها البشرية، تبًا للكاتب الملتزم.

الموضوع هذا يحدد توجهي في القراءة، فلا أكاد أشعر بالكاتب يلوي لسانه ليًا ليعبّر عن فكرة فلسفية حتى أغلق الكتاب غير آبه بكاتبه، وأعني هنا الأفكار المتعلقة بالفلسفات الموجودة مثل الوجودية والعدمية وأشباهها مما له أسماء تهول بلا طائل، أما الفلسفة في ذاتها فهي متحصلة لا محالة في كتابات المرء.

كنت أتابع صانعة محتوى كَنَديّة وضعت تحديًا لها ولصديقتها ولمتابعيهما أن يقرأوا تراث تولستوي وديكنز، ويقيمون حلقات نقاشية بذلك، كانت هي تميل لتولستوي وصديقتها تميل لديكنز، في أول الأمر استطلتُ الطريق، ولكنهم انتهوا بعد أربع سنوات فعلًا، وكانت مادة كبيرة وحصيلة وفيرة من النقاشات والتحليلات الممتعة بينهم، فهل هذا ممكن عندنا في مواقع التواصل؟ ممكن ولكن ليس على نطاق كبير كما رأيت، ينقصنا شيء من التواضع، فالتي كنت أتابعها لم تكن تعتبر نفسها مثقفة تنظر من برج عال، كانت تقرأ وتستمتع وتشارك المتعةَ متابعيها فقط.

وهنا أمر آخر يوحشُني من النوادي القرائية، فقد تابعت حوارات بعض النوادي عندنا، كأنهم يرون أن الحديث عن القصة والشخصيات والحوارات الدرامية في الرواية نوعٌ من السطحية، فتراهم لا يتناقشون إلا في "الأفكار العميقة" للرواية، فتفقد الرواية بريقها، لا يعجز الكاتب أن يصوغ أفكاره في كتاب بشكل مجرّد من القوالب الأدبية، فبما أنه صاغها في قالب أدبي فليس من العقل تجريدها والنظر مرة أخرى، والحديث عن الأفكار المجردة فقط، هذا ممل جدًا ولا فائدة منه، لأن الفائدة العلمية التي يخشى أن يرموا بفقدها غير متحصلة بهذه الطريقة كما ينبغي، العلم لم يُهجَر في الكتب العلمية، فاقرؤوها إن كنتم تخشون تهمة السطحية.

شكرًا لكم

هناك تعليق واحد:

  1. لا أحب الفلسفة المقصودة بعينها في الأعمال الأدبية

    ردحذف

الحَلُّ لكل شيء

 الحلُّ لكلّ شيء حين يجلس وحدَه رجلٌ كثير التفكير والقلق تصل به أفكارُه إلى مُعضِلاتٍ لا حلّ لها، ولا يرتاح باله حتى يبلغ بعَقْدِه الأفكارَ ...