سِنِمّار وأغنية الجليد والنار
شاهدتُ أمس حلقة الدحيح الأخيرة، وهي عن الإسقاط التاريخي في رواية أغنية الجليد والنار لـ ج ر ر مارتن، وهذا متوقع من رجل متخصص في التاريخ.
وكنت يومَ قرأت الرواية -قرأت ثلاثة أجزاء فقط- أجد هذه الإسقاطات من التاريح العربي القديم، من ذلك؛ أن آيجون الغازي -جدّ ملوك التارغيريان- أمر ببناء القلعة الحمراء، العاصمة التي فيها عرش الملك، وبعد الانتهاء منها، أمر بقتل كل المهندسين الذين بنوها لكي لا يعرف أحد أسرارها، وهذا ما حدث في قصة أحيحة بن الجُلاح الأوسي، فقد أمرَ رجلًا كان يبني الآطام يُقال له: سِنِمّار -ومعناه القمر المُضيء- أمره أن يبني له أطم الضحيان في يثرب، فبناه، فقال أحيحة محتالًا عليه: إنّي لأعرف موضع حجرٍ في هذا الأُطُم لو نُزعَ لتداعَى. فقال سِنِمّار: وأنا أعرفه. فقال: أرنيه. فأراه إياه فنكسه من أعلى فسقط ومات، وقيل إن هذه القصة مع النعمان الأكبر ابن امرئ القيس في بناء قصر الخَوَرْنَق، وفي ذلك قالت العرب لمن يُجازى على عمله الجيد بالشرّ: جزاء سِنِمّار. قال الشاعر:
جزتنا بنو سَعْدٍ بحُسن فعالنا
جزاءَ سِنِمّارٍ وما كان ذا ذَنْبِ
وقلت:
وإنكَ ما تُهدي لهم من صنيعةٍ
تُلاقِ الذي لاقاه باني الخَوَرْنَقِ
استفادة مارتن من التاريخ لألأت الرواية ببريقٍ ممتع، لأنه جعل هذه الأحداث المُستَلهَمة متناغمةً لا تشعر فيها بشذوذ، كلها في موضعها، مع أنه أخذ أحداثًا متباعدة الزمان والمكان.
قرأت الأجزاء الأولى من الرواية؛ لعبة العروش، وصدام الملوك، وعاصفة السيوف، وبقي جزآن وهما وليمة للغربان، ورقصة التنانين، هذا ما بقي لي في قراءة الرواية، أما ما بقي من الرواية فقط انقطع مارتن عن الكتابة منذ أصدر رقصة التنانين عام ٢٠١١، والمخطط أنه يصدر جزئين وتكتمل السلسة سباعية؛ رياح الشتاء وحلم الربيع.
يبدو أن مارتن وصل في تأليف الرواية إلى مكان معقّد جدًا، وهو يقول أن تداخل الأحداث وتعقيدها، جعل كتابةَ الجزئين الأخيرين شيئًا صعبًا، فيكتب ويلغي ويحذف، ويقول: إن أصعب سؤال يبلغه من الناس قولهم ألا تخشى أن تموت قبل إكمالها؟ قالها مازحًا.
أغنية الجليد والنار مثال على العبقرية الفانتازية، أخذت العلامة الكاملة في كلّ شيء؛ الأحداث، الحقبة، الخيال، الشخصيات، الحوارات، التشويق، كل ذلك.
ومما يدلّك على إحكام الرواية أنه لم يسرف باستعمال ما تتيحه لك الفانتازيا من استخدام السحر، ووجود المخلوقات الخرافية، جعل الأمر محدودًا وتتكئ عليه القصة أحيانًا، وتتكئ على الواقعية أحيانًا، بحسب ما تحتاجه القصة.
أبهرتني الرواية، وقبلها أبهرتني هاري بوتر، بقيت رواية تولكين الهوبيت وسيد الخواتم لم أقرأها بعد.
ما جذبني فيها هو الأحداث، والخيال، والشخصيات، وإن لم أقرأ منها سوى جزءٍ واحد، إلا أني لم أنسه أبدا
ردحذفبقية الأجزاء كأنها امتداد للجزء الأول، تستطيع سماعها صوتيًا، وهذا ما فعلته، لم تكن قراءتي كلها من الكتب لأنها كبيرة ولا أريد تفويتها، فجعلت قراءتي ورقيًا وسماعًا.
حذف