ليلة السأم الخلّاقة
في ساعة من الليل، بلغ بي السأم مبلغه، كلّما التفتّ إلى الكتب التي أقرؤها أشعر أنني مكتفٍ ممتلئ متّخم منها، فأجلتُ نظري في مكتبتي المتكدسة التي لا رفوف لها ولا مكان لرفوف أصلًا، مكتبتي التي تساوي الأتربة فيها وزن الكتب، أجلتُ فيها نظري لعلي أجد كتابًا خفيفًا لطيفًا ينتهي سريعًا لا كالكتب التي أقرؤها الآن.
قطفتُ من هنا كتابًا، ومن هناك كتابًا فاجتمع في يدي تسعةُ كتب، وعزمي أن أقرأ مطالعَها والذي يشدّني إليه أستمرّ في قراءته.. غدًا.
أخبركم عن الكتب:
الكتاب الأول: من الأدب السويدي وهو رواية منتصف الشتاء في وادي المومين، لتوفه يانسون، اخترت هذا الكتاب أولًا لصغر حجمه يقع في ١٤٣ صفحة، والسبب الآخر أن أجواءَ سلسلة وادي المومين أو ما يسمى عندنا (وادي الأمان) دافئ جميل يغرق فيه القارئ بسهولة. وألفتُكم إلى أني لم أعرف في طفولتي وادي الأمان، لست من جيله، أنا من جيل سبيستون.
بداية الرواية جميلة، ولكن الإشكال أن هذا الجزء ربما السابع، والتسلسل مهم في القراءة لأنهم يقولون أن الشخصيات تتطور وتقديمها مهم، فلعلي لا أقرؤها، مع أنني انسجمت معها.
الكتاب الثاني: من الأدب النمسوي، للكاتب العبقري ستيفان تسفايج، لاعب الشطرنج، ومن لا يعرف لاعب الشطرنج؟ أنا عن نفسي قرأتها قديمًا، أو بالأحرى سمعتها صوتيًا، فمعرفتي بها قديمة، كأنها ممسوحة من ذاكرتي إلا بعض ملامحها، وقدَّمَها عندي أن هذه ترجمة الأديب الكبير يحيى حقي، وقد رأيت الفرق رأي العين بقراءتي مطلعها، لغة يحيى حقي جميلة راقية، أنقل لكم فقرة من بداية الرواية:
"وبالرغم من أن الليل كان قد تقدم فإن القسيس لم يستطع كبح جماح رغبته في أن ينازلَ تلميذه فغلبَه ميركو بسهولة. كان يدير اللعب ببطء وعناد وهدوء، له خطة محكمة لا تُنكَر، وفي الليالي التالية لم يفلح القسيس وهو يعلم مقدار غباء تلميذه في كل مجال آخر أن يعرف مدى هذه الموهبة الفذة، فقاد ميركو إلى حلاق القرية، فقص جمةً له في لون الهشيم، حتى لا تتقحّم منظرَه العيون، ثم صحبه في العربة الزحافة إلى البندر المجاور، إذ كان يعرف فيه رجلاً مهموماً بلعبة الشَطْرَنْجِ يجيدها خيرًا منه، ويعكف عليها الساعات الطوال في ركن من قهوة الميدان الكبير.
ودخل القسيس القهوة وهو يدفع أمامه فتًى لم يبلغ الخامسة عشرة…"
الكتاب الثالث: رواية الليدي سوزان لجاين أوستن، لطالما أردت القراءة لجاين أوستن، ولا يمنعني شيء ولكنّي لم أفعل. رواية الليدي سوزان رواية من أدب الرسائل، كالفقراء لدوستويفسكي، قرأت بدايتها، وتبدو لي ظريفة، في الرسائل نمائم كثيرة، وقد صُدمت من البداية بظنون أبطال الرواية ببعضهم، تقرأ هذه تعيب تلك عند أمها، ولكنها تمدحها عند زوجها، وهذه ترسل تطلب من أخي زوجها الاستضافة؛ وتظهر بغضها له في رسالتها لأختها، وهكذا، لا أخفيكم أني تحمست للفكرة، والعجيب أن الرواية كتبتها أوستن وعمرها ثماني عشرة سنة، ونُشرت بعد وفاتها بخمسين عامًا! الكتاب يقع في ١١٦ صفحة، ربما أختاره.
الكتاب الرابع: الليلة العجيبة لستيفان زفايغ، انطباعي لبدايته أنه أمسك بي! لا أدري ما حدث ولكنّي انشددت إلى الرواية من غير وعي مني، كنت خصصت ١٠ دقائق لكل كتاب، ومرت عشرُ هذه الرواية كأنها لمحة بصر، لا أدري حتى الآن ما أحداث الرواية، ولكنها بدأت برجل يكتب ذكرى حصلت معه قبل أربعة أشهر وغيرت حياته، الرواية ٩٩ صفحة.
الكتاب الخامس: مجموعة قصصية لفيرجينيا وولف، عنوانها: يوم الاثنين أو الثلاثاء وقصص أخرى. فيرجينيا وولف من الكاتبات اللواتي مر بي اسمهنّ كثيرًا في الجامعة، وبودي أن أقرأ لها شيئًا، فوجدتها فرصة. قرأت بداية القصة الأولى عن صورة فتاتين عاميّتين من الطبقة المتوسطة، وحياتهما الرتيبة التي كأنها عمل رجال تجارة في الرتابة والفحص غير أنها تدور حول الجلوس والطعام وأمسيات الحديث والنمائم، شدتني القصة ولكن لعلي لا أقرؤها لأنها لم تنافس الكتب الأولى، ولكن مع ذلك ألمحت فيرجينيا وولف إلى فكرة بارعة، كانت تدور في بالي زمنًا طويلًا، حين يتكلم أحد عن موقف حصل معه أحاول التفكير في هذا اليوم بالذات.. أنا أين كنت وماذا كنت أفعل؟ عندما حدثت أحداث برجَي أمريكا وأنا صغير هل يا ترى كنت نائمًا أم كنت ألعب؟ سأنقل لكم، قالت في قصة فيليس وروزاموند:
"سمعت أحدهم يقول مؤخرًا: "اسمحوا لكل شخص أن يكتب تفاصيل يومه من العمل؛ فالأجيال القادمة ستكون ممتنة لتوثيق ما ينبغي أن يكون عليه- لو أن لدينا شهادة عن كيف أمضى البوّاب في مسرح غلوب، والرجل الذي كان يحرس مداخل الحديقة- يوم السبت 8 مارس من عام 1568."
بالضبط! تخيلوا لو جربنا على نطاق ضيق أن نخرج يومياتنا في الكورونا ماذا سنجد؟ سأنقل لكم من يومياتي في كورونا:
"الجمعة ٢ أكتوبر ٢٠٢٠
بعد رجوعي من الفنطاس، اشتريت ماكينة حلاقة، وحلقت رأسي في سطح بيتنا، كانت تجربة مثيرة، في البداية كان الوضع مخيفًا ثم لما عممت الحلاقة على شعري شعرت براحة كبيرة."
ظريف، كانت تجربتي الأولى لحلاقة رأسي بنفسي، ماذا فعلتم في ذلك اليوم بعينه؟ من كان يكتب يومياته سيجد المقارنة غايةً في الطرافة، ربما يكون جالسًا هانئًا في فناء منزله يحتسي قهوةً، وأنا في نفس الساعة أجاهدُ أن أوازن بين رأسي وبين مكنة الحلاقة، أليس ذلك ممتعًا؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق