الأحد، 3 أغسطس 2025

خذوا الدنيا بيُسر

 خذوا الدنيا بيُسر

خُذوا الحياة بيُسر، ومارسوها بالتنازل والنية الصالحة، ما مكوثنا في هذه الحياة إلا سنوات قليلة، ثم نمضي، فلا تعش هذه السنوات بثقل أمراض القلب التي تُثقل الروح، وتُغذّيها الشكوك والحسد والبغض.

أغلب مشاكل الناس التي تُهوَّل تكون بذرتها أمرًا يسيرًا، كان حلّه أقرب من متناوَل اليد، ولكن عَظُمت واستفحلت بما ينفخ الشيطان فيها من العداوة والبغضاء، والتقاتل على الدنيا، والشعور المزيّف بالإهانة.

الحقّ كفلَه الشرع، ولكن إذا بتّ تأخذ كل حقٍّ لك -صَغُر أو كَبُر- بقوّة من كلّ أحد فماذا أبقيت للحِلم والصفاء وبياض الروح وكسب الناس؟

لماذا نطلب الدنيا بفوق طَوْق جهدنا وهي -غير أنها فانية- دُنيا مشى فيها النبي ﷺ حافيًا، وحوصرَ فيها من تستحيي منه الملائكة حتى قُتل، وغُدرَ فيها بريحانة النبي ﷺ وسبطه، أهذه دُنيا يَتمسّك بها مسلم ويَخلد إليها؟ حتى تراه يخسر كلّ شيء في سبيل تحصيلها، وإن هي إلا متاع قليل.

مما أذكره أني سمعت عمّي يتحدث عن رجل مخموم القلب، سمّاه ولا أذكر اسمه، قال: " فلان رجل طيب إذا رأى أحدًا دعا له." ما زالت هذه الكلمة تغرّدُ في أذني وقد مضت عشرون سنة أو تزيد، أرأيتَ رجلًا يدعو لمن يعرف ومن لا يعرف؟ كيف قلبُه؟

وكان ابنُ عونٍ إذا اشتدّ غضبُه على أحد قال له: "بارك الله فيك!"

وكانت له ناقةٌ يحبها، يغزو عليها، ويحج عليها، وكان حليمًا، فخرج في طريق مكة، فانشغل في شيء، وقام غلامه إلى الناقة يجهزها، فضربها بشيء كان معه ففقأ عينها، فقال بعض من حضر: "إن كان سيغضب ابن عون فاليوم!" فلما عاد ورآها ورأى صنيع الغلام، فقال للغلام: "بارك الله فيك." ثم قام إلى الناقة ومسح الدم، وجعل في عينها قطنة. ثم مضت الأيام والغلام في خوف شديد مما فعل، فإذا طلب منه ابن عون شيئًا قام يلبيه بسرعة، فلاحظ ابن عون ذلك فقال للغلام: "يا فلان، ما لي أراك مذ أصبت عين الناقة تخف في خدمتي خفة لم تكن تخفها؟ لعلك تتقيني؟ لا تتقيني بعد اليوم، وأنت حر لوجه الله." فأعتقه.

وفي الحلم قيل: "ليس الحليمُ من إذا ظُلِمَ حلم حتى إذا قدر انتقم، ولكن الحليم من ظُلم فحلمَ ثم قدر فعفا." ثم قدر فعفا! ما أجملها من خِصال.

هناك 5 تعليقات:

  1. بارك الله فيك

    ردحذف
  2. جعلك الله مباركا أينما كنت

    ردحذف
  3. اللهُمّ بارك، مقالة في وقتها🤍

    ردحذف
  4. مقالاتك ليست خواطر عابرة، بل محطات تأمل…
    تجعلنا نُعيد التفكير، ونُحسن الظن، ونُخفّف من تعلّقنا بما لا يدوم

    مقالاتك لا تُقرأ، بل تُشعر، وتُربّي، وتُصلح.
    دمتَ نقيَّ القلم، نقيَّ القصد. 🌹👏🏻

    ردحذف
  5. جُزيت خيراً، مقالة توقظ القلب وتُحْييّ النفس.

    ردحذف

الحَلُّ لكل شيء

 الحلُّ لكلّ شيء حين يجلس وحدَه رجلٌ كثير التفكير والقلق تصل به أفكارُه إلى مُعضِلاتٍ لا حلّ لها، ولا يرتاح باله حتى يبلغ بعَقْدِه الأفكارَ ...