الاثنين، 18 أغسطس 2025

من ذكريات الجامعة

 من ذكريات الجامعة

دخلتُ الجامعة أكبُرُ دفعتي بثلاث سنوات، وذلك أني حُصتُ حَيْصةً قبلَها، ودُرت حول نفسي كأنّي يوسف باحويرث في حلبات "ريدبول"، إلا أنني مُجبَر لا بطل، وهو بطل لا مُجبَر، فدخلت كليةَ التربية الأساسية، ثم حسّنتُ نسبتي في الثانوية لأدخل كليّة الآداب في جامعة الكويت.

بداية جديدة في الجامعة، دخلتُها بنفسٍ قديمة تركن للكَسَل بلا دَعة، والتسويف بلا منفعة، وليس موضوعنا اجتهادي في الدراسة وإنما بعض الذكريات اللطيفة، والفوائد النادرة، ولعلها تكون سلسلة مقالات أو لا تكون؟ هذه هي المسألة.

في مادّة (النقد العربي القديم) عند د. حمد بن عبيد العجمي، كانت طريقته أن نقرأ بابًا من كتاب محمد مندور (النقد المنهجي عند العرب) وما يقابله في كتاب لعيسى العاكوب نسيت اسمه، ثم نعود ونكتب تقريرًا على طريقة (استجابة القارئ)  وهو نقد يعتبر القارئَ مركزَ جدوى العمل المكتوب، فلا وجود لأي ادَعاءٍ يدّعيه الكاتب في عمله حتى يكون مُبرهنًا باستجابة قارئ النص على شكل هذا الادّعاء.

عمومًا.. الأمر كان أبسط لأننا طلبةٌ لا نكاد نقيم تقريرًا مكتمل الأركان، فطلبُ (استجابة قارئ) أمر متفائل جدًا، فلذلك كان د. حمد العجمي يكتفي بأن تذكر موافقتك أو معارضك، وعلة الموافقة أو المعارضة.

كان محمد مندور يعتمد على النقل، فكان مستوًى صعبًا، وعيسى العاكوب على آرائه أو تأمَلاته، فكان المستوى السهل، وصاحبكم شعر أنّ هذا تحدٍّ فقمتُ وفوّقتُ قوسي إلى محمد مندور رحمه الله، في موضوع (قدامة بن جعفر) ولعنجهيّتي -وأنا إذ ذاك لم تظهر لي لحية بعد، ولم يأخذ الصلع والشيب من ناصيتي- قلت في مقدمة الاستجابة وهاهي أمامي:

"وقفتُ في هذه الاستجابة بين مندور وقدامة بن جعفر، ورجّحتُ بعضَ آراءِ قدامة فيما يخصّ تأصيله لعلم النقد، وفسّرت موافقتي فيما وافقت، وبيّنتُ معارضتي فيما عارضت." الله أكبر.

لا يقف العجب هنا، ولا أدري كيف احتملَ د. حمد رقاعتي وجهلي وقد كتبت بعد ذلك:

"بدأ مندور مبحثه في قدامة بن جعفر بقوله: "والناظر في كتاب قدامة يجد الاتّجاه البلاغي الشكليّ الذي انتهى بذلك العلم إلى التحجّر" ص٦٧. وقد بيّنت لي هذه الافتتاحية منهجَ مندور في النقد؛ فهو ينتقد نقدًا ذاتيًا يستهزئ فيه بصاحب النصّ المنقود إذا لم يوافق آراءه، وكذلك فعل، وقد كنتُ أنوي مجاراة أسلوبه النقدي؛ فوجدتُ أني سأستنفد مخزونَ الشتائم [!] والاستهزاء الذي لديّ، فآثرتُ الطرح الموضوعي على ذلك." شكرًا لك أنك آثرت الطرح الموضوعي.

أنتم تحسبون أنني وازنت بين كلام محمد مندور وقدامة بن جعفر؟ لا، انتقدت الاثنين!

بدأت أولًا بقدامة بن جعفر وتعريفه للشعر، فقلت إنه تعريف ناقص، فقوله: قول موزون مقفى دال على معنى" ينقصه: على ما استعملته العرب، لأن تعريف قدامة سيدخل فيه ما ليس بشعر كالنظم العلمي، والشعر الحر، ثم كانت الصدمة الصادمة، وأتيت بدليل، أوردت شعرًا موزونًا باللغة اليابانية! لا أدري ولكن أشعر أنني أصبحت نُكتة في القسم في ذلك الوقت، استشهدت ببيت من منظومة في الثقافة اليابانية لهشام عمر، ونسخته بالأحرف اليابانية كما هو، وكتبت طريقة نطقه أسفله! مدللًا أن هذا شعر موزون له معنى، ثم استمرّ التقرير كاملًا في مخالفة محمد مندور رحمه الله بغض النظر عمّا قاله، المخالفة لأجل المخالفة.

المهم، أذكر الدكتور أعطاني درجة كاملة من أربعة، وقال لي شيئًا من قبيل حسّن من أسلوبك، ولا أظنني انتصحتُ حينها؛ فقد سمعتُها منه مرة أخرى بعد سنتين في مادّة الشعر الجاهلي عندما شتمت طه حسين في الاختبار، ولكنّي انتصحت في الثانية، متمثّلًا بيت مزرّد بن ضرار:

تبرّأتُ من شَتْمِ الرجالِ بتَوْبةٍ

إلى اللهِ منّي لا يُنادى وليدُها

هناك 4 تعليقات:

  1. اجعلها سلسلة(:

    ردحذف
  2. ساقني الفضول للبحث عن باحويرث وريد بول إن كنتم فضوليين مثلي فهو سائق سباقات محترف

    ردحذف
  3. تلك هي آثار زهوة الشباب وقوة الفتوة والوصول بعد طول المسير بسبب الكر والفر الذي عانيته كنت ك كَزَرۡعٍ أَخۡرَجَ شَطۡـَٔهُۥ غير أنه لم يتم مؤازرته حينها وتم لك بعد التوبة فَـَٔازَرَهُۥ فَٱسۡتَغۡلَظَ فَٱسۡتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ یُعۡجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِیَغِیظَ بِهِمُ ٱلۡكُفَّارَۗ

    ردحذف
  4. لا بأس فكل سوء أدب يقود إلى أدب هو أدب 😅
    مقال ممتع 👏🏼

    ردحذف

الحَلُّ لكل شيء

 الحلُّ لكلّ شيء حين يجلس وحدَه رجلٌ كثير التفكير والقلق تصل به أفكارُه إلى مُعضِلاتٍ لا حلّ لها، ولا يرتاح باله حتى يبلغ بعَقْدِه الأفكارَ ...