الجمعة، 25 أبريل 2025

قصة الشِعر (1)

 

قصة الشِعر (1)

تحدّثت في الأيام الماضية عن الروايات، اليوم عن قصتي مع الشعر -إن شاء الله- إن لم يجُرْ بي الاستطرادُ إلى غيره. الشعر صحراء كبيرة، بحرٌ محيطٌ لا ساحلَ له، وكلّ من ادّعى إحاطته بدقائق الشعر فهو كاذب، لذلك لن أدّعي أنني عالمٌ به، وإنما أسوق لكم ما عانيته فيه.

 

حينَ أرمي بذاكرتي إلى أقصى ما أتذكّر عن الشعر؛ هو أني عندما كنت صغيرًا أسمع ألقاب الصحابة المضافة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم: مؤذن الرسول، حواريّ الرسول، صاحب سر الرسول، فسألت والدي بعد تفكير: من شاعر الرسول؟ والعجيب لي أنه كان لهذا السؤال الذي لم أسمع بأجزائه من قبل إجابةٌ! حسان بن ثابت -رضي الله عنه-

 

هذا أقدم ما أذكره من الوعي بوجود شيء اسمه شعر، بعد ذلك صرت أرى الشعرَ نوعًا من العلوّ ذي البريق الجميل، ومع وجود الاناشيد "الإسلامية" تبلور عندي إدراك الوزن، لأن الأوزان هي إيقاعات تُلتَزَم في الكلام، والأناشيد إيقاعات توضع على الأشعار، وكنت أحب الأناشيد ذات الإيقاع السريع، فهذا على هذا ومع مرور الوقت أدركت أذني الوزن وأنا لا أعلم، وكذلك يحدث مع غالب الشعراء، قلّ شاعرٌ يتعلم الوزن من غير فكرة سابقة.

 

ولذلك أنا لا احسن تعليم الشعر، بالأخص مع من يظن أن تعلم الشعر هو عبء الشيخ لا الطالب، فينتظر منك أن تُلقمَه العلم بملعقة، لا يعلم أن الشيخ ليس بيده إلا التوجيه، وعلى الطالب القراءة والعلم والتجربة وكل شيء، هذا غير من يأتي وقد لمعت في ذهنه فجأة أن يكون شاعرًا فيقول: كيف أكتب الشعر؟ فأسأله عن علوم اللغة العربية فأجده لا يعرفها، ويريد الشعر؟ هل تعلمون أن الشعر علم لا أهازيج؟ علم تبلغ أوله إذا أتقنت علومَ اللغة جميعِها، تبدأ عندها الخطوة الأولى في الشعر، وغالبًا ستخطو خطوتين أو ثلاث ثم ينتهي عمرك.

 

سأختم هذه المقالة بقصة أول محاولة، وأول بيت موزون كتبته في حياتي: أول محاولة كانت يومَ زرت المدينة أول مرة، ودخلناها ليلًا، فظهر مسجد النبي صلى الله عليه وسلم منيرًا بين الجبال، فجعلت أقلّب بيتًا أحاول كتابته، فكتبته غير موزون ولا معنى له وإن كنت حاولت التعبير عن شعوري بالهيبة لمرأى المسجد، والسكينة لدخول المدينة. وبعد أشهر أرسل إليّ أحد الإخوة رسالة فيها معاني الأخوّة في الله، فجعلت أقلّب بيتًا أردّ به عليه وكنت عرفت أن للشعر أوزانًا تسمى بحورًأ، وأن منها بحرًا اسمه الوافر، وعرفت إيقاعه، فكتبت على الإيقاع فأخطأت الوافر ومن توفيق الله أنني أصبت الكامل، قلت:

 أنتَ الذي كالنجمِ حين تبرّقا .. واجتازَ ما بين البريّة وارتقى

بيت سخيف، ولكنه بداية على الأقل، وما زلت أنتظر الإجابة من ذلك الأخ، لم يجبني إلى الآن.

هناك 5 تعليقات:

  1. لعل الرسالة لم تفطن لصاحبها
    فليس يلحقه منك نسيان
    إني للذكر الود تبذله
    لي ويشملني منك إحسان
    مالي أرى الصفو أصبحتُ أنكره!
    والود يجمعنا كذاك إيمان
    مالي أرى الجفا أضحت مخالبه
    تقطّع البين وإنا لخِلان؟
    أين الإخاء الذي قد كان يؤنسنا
    وكان يجمعنا برٌ وإحسان
    إني لأنكر الذي أنت تظهره
    من الجفاء وإن القلب حيران
    وأحمد الله أني لا أُعلّقه
    بكره فهو ذو الأفعال رحمان

    هذه أيضا من أول ما كتبت وأرسلتها لصاحبها فلم أجد ردا لكن يغنيني عنه فرحي بها ، وما زلت مبتدئا صغيرا فأرجو التوجيه والإرشاد.



    ردحذف
    الردود
    1. يجب أن تتعلم علم العَروض

      حذف
    2. بيني وبينك علم العروض امتع علوم العربية لكن مشكلته ما اخذ حقه بالتعليم
      شف قناة لسان مبين علم العروض للدكتور محمد العمري , اول ثلاثة حلقات من المستوى الأول تمهيد ثم تطبيق غنائي على البحور , اغلب الحلقات ما تنقص ولا تتجاوز ال10 دقائق وتقدر تسمعها بالسيارة وتردد معه و تقدر تخلصها بيوم كامل

      حذف
  2. تعديل :
    ** إني لأذكر الود تبذله **
    ** إني لأنكر ما أنت تظهره **

    ردحذف
  3. (نوع من العلو ذو البريق الجميل)

    تعريف رائع لامس ما بخاطري ونطق عما في نفسي عن الشعر صدقا.

    ردحذف

الحَلُّ لكل شيء

 الحلُّ لكلّ شيء حين يجلس وحدَه رجلٌ كثير التفكير والقلق تصل به أفكارُه إلى مُعضِلاتٍ لا حلّ لها، ولا يرتاح باله حتى يبلغ بعَقْدِه الأفكارَ ...