الأحد، 27 أبريل 2025

قصة الشعر (2)

قصة الشعر (2)

نكمل من حيث وقفنا في قصتي مع الشِّعْر، حيث أرسلت بيتي الأول إلى من لم يردّ عليه، ولعله لم يقرأه، لا بأس، تركت الشعر وقتها سنةً أو تزيد، ثم لا أذكر بالضبط تفاصيل ما حدث، هل اهتممت بالشعر، أم أنني وصلت لهذا الحدث فجأة لا أذكر، وذلك؛ أنني كنت في اختبار من اختبارات المرحلة الثانوية، فجاء سؤال بهذه الصيغة: اذكر ضدّ (الحسن) في جملة من إنشائك. فأردت أن أجعلها بيتًا لا جملة فقط، فكتبت بيتًا على الوافر كذلك، وكان على الوافر، فقلت:

يعايرُني الزمانُ بقُبْحِ وجهي

ولولا القبحُ لم يُلَد الجمالُ

هذا البيت هو الذي كتبته، وكتبته على يدي كي لا أنساه، وخرجت سعيدًا لأخبر من حولي عنه.

 

أخبرتهم واحدًا واحدًا، وبعد يومين، قلت لأحد الإخوة كان مهتمًا بالشعر، وكنت أراه أعرف مني به بطبيعة الحال: لقد صرت شاعرًا، وأخبرته بالبيت فنظر إلي نظرة المستسخف وقال: يُعايرني؟ قل يعيّرني! ولم يُلَد؟ خطأ! قل ما وُلدَ. كان نقده مصيبًا وتصويبُه صحيحًا، فصار البيت:

يعيّرني الزمان بقبح وجهي

ولولا القبحُ ما وُلِدَ الجمالُ

 

ومن بعدها انطلقت في عالم الشعر، قراءة وكتابة، وكانت المحاولات سخيفة لثمانية أعوام، ثم بدأ يخرج من قريحتي شعر يُسمَع ولا أقول جيد، وهذا مستمرّ إلى اليوم، وهذه نظرتي لشعري أنه يُسمَع مرةً واحدة، ثم يُرمى.

 

في المرحلة الثانوية كنت متلعقًا بنونية القحطاني، فلم أكن أكتب إلا على بحرها وقافيتها وموضوعها في وصف الجنة والنار، تخيلوا ثلاثة سنوات لا أكتب غير هذا! وكله ركيك، ثم اتجهتُ للغزل، وأذكر أول شطرًا مما كتبته أول مرة في الغزل:

في ساعة وتبيع الخبزَ بالعسلِ

من هذه؟ وماذا تفعل؟ لا أعلم!

وأذكر من الأبيات القديمة جدًا التي تُستساغ قولي:

وصافحتُ الحبيبَ فلستُ أدري

أكفًا قد لمستُ أم السحابا

الله المستعان، كنتُ وحيدًا في حب الشعر، هكذا أراني عندما أنظر بعد خمس عشرة سنة، كنت أظن الناس يحبون الشعر كما أحبه، فأسمع الجميع جديد ما أكتب، ويتبيّن الآن لي أني كنت وحيدًا في تعلقي بالشعر، وإحاطة نفسي بالقوافي والمعان كتابةً وقراءةً، وقد أصبحت الآن لا أُنزل شعري منزلةً ألقيه على أذن أحد، أترفّع جدًا عن الناس حين يتعلق الأمر بشعري، صار أنفسُ عندي من كلّ نفيس.

 

صرتُ اليوم من شروط إلقائي لشعري عند أحد ألا يتكلم أحد من الحاضرين ولا يتحرك ولا يسرح، فإن فعل أحد -ولو لم يكن مستمعًا- قطعت إنشادي وامتنعت.

 

الحمدلله الذي هداني للشعر، فأصبحت بعد هذه الأبيات الركيكة أقول:

وما كان بيني يومَ جرعاءِ مُشرِفٍ

وبين سكون النفسِ إلا سلامُها

غفرَ الله لها، ألا ردّت التحية؟ فما زلت أخبط في حياتي منذ ذلك اليوم بجرعاء مُشرف، فلا الليل ليل، ولا النهار نهار، على أن للنهار فسحة تطرح فيه العين طرفها.


هناك 4 تعليقات:

  1. عصف الهوى من بعد عام
    مثله من قبل عام

    يا حبها ماذا تهز
    وإنما بقي الحطام

    "لولا هوى من لا يحبك
    لم يكن شعر الغرام؟!"

    هبني هواها لي وخذ
    شعري جميعا، والسلام!

    ردحذف
  2. المعذرة أستاذ خالد ألا تنشئ قناة خاصّة بشعرك؟ تجمع فيها القديم والجديد، هناك أبيات لك كانت في قناتك القديمة "خالد" وأبحثُ عنها للآن لم أجدها، ومنها:
    "متعبٌ مرهقٌ كثير التشكّي
    ليس يدري إلامَ يسعى حثيثا" أو نحوه.

    ردحذف
    الردود
    1. لا تتحرّك نفسي إلى ذلك.

      حذف
    2. رجاء فكّر بالأمر بارك الله عمرك.

      حذف

الحَلُّ لكل شيء

 الحلُّ لكلّ شيء حين يجلس وحدَه رجلٌ كثير التفكير والقلق تصل به أفكارُه إلى مُعضِلاتٍ لا حلّ لها، ولا يرتاح باله حتى يبلغ بعَقْدِه الأفكارَ ...