قصة الشعر (3)
رابطة
الادباء – الأمسيات – طباعة ديوان - المسابقات
أوّل مرة ذهبتُ إلى رابطة
الأدباء كانت قبل سنوات كثيرة، في فعالية أسبوعية كانت تقام عندهم باسم منتدى المبدعين
الجدد، يأتي "المبدع الجديد" ويلقي قصيدة أمام الحضور من المبدعين الجدد،
أو يقرأ قصة قصيرة، أحيانًا يكون في الحاضرين مبدعين قدماء، ثم يستقبل سهام النقد التي
ترمى رميًا ممن هم في نفس مستواه، وغالبًا النقد يكون لا فائدة منه لهذا السبب.
النقد يجب أن يكون ممن بلغ
في العلم غاية بعيدة، ويرتضيه المبدع الجديد، لا ممن هم في مستواه، هذا بشكل عام، والشعر
بشكل خاص يحتاج تدقيقًا في علم العالم نفسه، فمن اتخذ مدارس النقد الحديث مجالًا له
فلن يستطيع أن ينقد نقدًا صحيحًا، ولكنْ من اتخذ من أسس المتقدّمين دليلًا على نقده،
ويكون متمرسًا سنين كثيرة في كلام المتقدمين كالأصمعي وأبي عمرو والمبرد، مكثرًا من
القراءة للشعراء المتقدمين من الجاهليين والأمويين والعباسيين الأوائل، لم خصصت هذه
العصور؟ لأن الشعر فيها كان محكمَ النسج، ومناط الخطأ عند الأولين والآخرين في نسج
الكلام لا في المعاني.
كنت في تلك السنوات أحب
أن أظهر شاعرًا، فألقيت شعري عند كل الناس، ومنهم رابطة الأدباء، كنت أتمنى أن أدعى
لأمسية ألقي فيها أشعاري، كنت مفتونًا بالمشهد الذي أرى فيه الشعراء على منصّة وأمامهم
اللاقط، يلقي شعره ويصفق الناس، غيرَ أني لم أدع لأمسية ولا لأصبوحة (الفرق بينهما
أن الأولى في المساء، والثانية في الصباح) إلا أصبوحة واحدة في مدرسة ثانوية مع ثلاثة
شعراء آخرين كان منهم سالم الرميضي وعبد السميع الأحمد.
بعد ذلك في الجامعة أقام
نادي فصيح وهو ناد لطلاب قسم اللغة العربية في كلية الآداب، كانوا يقيمون فعالية أسموها
(المايك المفتوح) تسجل فيه وتلقي ما شئت من إبداعك، فشاركت فيها مرتين على ما أذكر،
وألقيت في المرة الأولى قصيدة أذكر موضوعها عن العنصرية، منها:
كلانا إلى نوح ونوح لآدم
وآدمُ من طينٍ ففيمَ التفاضُلُ
وشاركت مرة أخرى بقصيدة
أسميتُها (المُعَلِّلة) أتحدث فيها عن أن الناس انفضّوا عنّي، وتركوا سماع شعري
لأني تركت الغزل، مطلعها:
خاب ظنّي بحيلتي
واحتيالي
وتيقّنتُ أنني للزوالِ
كان هذا ادعاءً، هم لم
ينفضوا، هم لم يلتفتوا إلى شعري من الأساس.
كانت فعاليات كلية الآداب
جميلة، حضرت أغلبَ المحاضرات التي أقامتها اللجنة الثقافية، وأغلب المسابقات النحوية
ومسابقات المساجلات، ولكني لم أشترك بها، وليتني فعلت، كنت أخجل من المشاركة، لا أدري
ما المخجل حقيقةً، ولكني شاركتُ في الفصل قبل الأخير بمسابقة للإلقاء أخذت فيها المركز
الثاني.
وعلى ذكر المسابقات فقد
شاركت بمسابقة اسمها جائزة فلاح الحجرف، مسابقة وطنية للإبداع، ترسل قصيدة أو قصةً
أو لوحة، وتدخل في نقد ترشحك للفوز بإحدى ثلاثة مراكز، شاركت بالأولى بقصيدة تقع في
ثلاثين بيتًا، وهم طلبوا عشرة أبيات، وفزت بالمركز الثالث المكرر مع الشاعر سالم الرميضي،
كانت القصيدة رائية، أذكر منها بيتًا بديعًا في وصف القهوة:
وأدفعُ مرّ الوجْدِ عنّي
بمُرّةٍ
وحَسبُكَ أن المُرّ يدفعُهُ
مُرُّ
كان ذلك عام ثمانية عشر،
وهذا البيت أخذت معناه من الشاعر عبد الله الفيلكاوي، لا أذكر أخذته من بيت كتبه أو
خاطرة، أو أنني متوهم أنني أخذته منه، لا أذكر على التحديد.
بريق الإلقاء أمام الجمهور، وحضور الأمسيات التي ألقي فيها أشعاري كل ذلك خفت منذ زمن، خفت منذ أعوام كثيرة، صرت ضنينًا بشعري، أنشره على صفحاتي ولا أزيد على ذلك، بل حاولت أكثر من مرة أن أجمعه في ديوان مطبوع ثم أفشل في ذلك بعد المرور عليه، لأني كتبته كله بصدق، فحين أتذكر أنه ربما يُبتذل، أو يُنقَد، أو لا يُلتفت إليه أضنّ به، وأرفعه عن ذلك.
أنا أحبّ شعرك جدّاً، وبالتأكيد هناك من يحبّه مثلي، لذا اجمع شعرك من أجلنا.(:
ردحذفوالحقيقة أن أڪثر ما يعجبني به ما ذكرتَ من أنّه شعرٌ صَادِقٌ.
أحياناً لا أجد أبياتاً تأتي على ما في نفسي إلّا من شعرك.