الخميس، 1 مايو 2025

بحلقة في حياة رجلٍ روسيّ

 

بحلقة في حياة رجلٍ روسيّ

أريد أن أحدثك عن كتاب في مجلدين، وهو رسائل دوستويفسكي، نعم هذا هو الرجل الروسي الذي أبهمت اسمه في العنوان أوهمك أنه رجل لا يعرفه أحد هِئ هِئ (ترجمة أبو بكر يوسف لأعمال تشيخوف مليئة بهذه الضحكة الغريبة وعند تسجيلها أنحشر لا أدري كيف أؤدّيها، فأتجاوزها مشيحًا ببصري مصفرّا كأني لا أدري) ترجم الرسائل خيري الضامن، وصورة الواجهة هي إحدى رسائله بخط يده، خطه جميل صراحة، أحب قراءة الكتاب من غير ترتيب ولا قصد شيء، هذا الكاتب ممتع حتى في رسائله العادية.

قد أكتشف أيضًا بعض الأمور الجميلة، مثلًا؛ سمعنا كثيرًا قولهم: “قال دوستويفسكي كلنا خرجنا من معطف غوغول” ولم يقل ذلك، ولكنني وجدت إشادةً بهذا القدر في رسائله إذ قال في رسالتِه إلى نيكولاي ستراخوف المؤرخة ١٢ ديسمبر ١٨٦٨: لقد توقّف الأدب بوفاة غوغول.(الرسائل ٢/١٧٩)

ومن اللطائف؛ أنه أرسل رسالةً إلى إيفان تورغينيف يستدينه ١٠٠ تالير، فأعطاه نصفها، وذلك عام ١٨٦٥. ثم في رسالة عام ١٨٧٤ ردها إليه وأخبره أنه نسيها وإلا لما تأخر عشر سنوات، قال:

"رجوت الأمير فلاديمير بتروفيتش ميشيرسكي أن يسلمكم عندما يلتقيكم مبلغ الخمسين تالير التي أقرضتموني إياها عام ٦٤ تلبية لطلبي العاجل من فيسبادن، وأنا إذ أعيد لكم هذا الدَين بأعظم قدر من الامتنان لا أجد لنفسي عذرًا في تأخير التسديد كل هذه المدة." (الرسائل ٢/٣١٧)

ومن اللطائف؛ أنه لم تعجبه رواية تولستوي آنا كارينينا، فقد ذكرها أكثر من مرة بأسلوب انتقاص، وكانت نُشرت أثناء نشره روايته (المراهق) ففي رسائله يذكر ما قاله الأدباء مدحًا في المراهق وما قالوه قدحًا في آنا كارنينا، منها رسالته إلى زوجته آنا، ذكر فيها أن نكراسوف قال له:

"رواية تولستوي الأخيرة مجرد تكرار لما قرأته له سابقًا، بل إن السابق أفضل." (الرسائل٢/٣٣١)

ومن ذلك عندما زار أبولون مايكوف وانضم إليهما صديقه ستراخوف، فقال:

"ولا كلمة منهما عن روايتي [المراهق] ربما كيلا يسببا لي خيبة أمل، ودار كلام قليل عن رواية تولستوي [آنا كارنينا] إلا أن كلامهما عنها جاء بإعجاب يبلغ حدّ الضحك." (الرسائل ٢/٣٢٧)

وصفحهما عن روايته كان بسبب نشرها في مجلة (مذكرات الوطن) وهي جريدة ديمُقراطية، ويبدو أنها تخالف توجههم، لذلك قال بعدها:

"حاولت أن أقول إذا كان تولستوي قد نشر مقالته عن التعليم العام في (مذكرات الوطن) فلماذا يلومونني وحدي؟ فعبس مايكوف وحوّل مجرى الحديث." (الرسائل ٢/٣٢٧)

وفي هذه المرحلة كان دوستويفسكي في بطرسبورغ، وزوجته في سترايا روسا، وكانا يتراسلان يوميًا، وأسلوب دوستويفسكي يصبح قصصيًا ممتعًا، لأنه يريد أن يفضي بكل ما في صدره إلى زوجته.

ومن اللطائف؛ عندما كنت أقرأ الجريمة والعقاب، وجدت متعة في أحداث عائلة مارميلادوف، كانت شخصياتهم مصقولة، ليست كبقية الشخصيات الجانبية، وفي الرسائل اكتشفت أنه كان يكتب رواية اسمها (السكارى) تحكي معاناة عائلة مارميلادوف، ثم دمجها بالجريمة والعقاب.

ومن أجمل الرسائل تلك التي أرسلها إلى أخيه بعدما صدر العفو عن إعدامه، والحكم عليه بأربع سنوات في سيبيريا، والرسالة التي كانت بعد خروجه من السجن، يصف فيها أحداث ذهابه، كانت رسائل رائعة ليست بأقلّ من كتاباته الروائي..

هناك تعليق واحد:

  1. بحب دوستويفسكي ورواياته .. بشعر فيها كأنه يحدث نفسه .. وإن كنت رح أوصفه ف هتكون عاشق معذب هو الي بتبادر في ذهني فكل مرة أقرأ له ولا أعلم لماذا

    ردحذف

الحَلُّ لكل شيء

 الحلُّ لكلّ شيء حين يجلس وحدَه رجلٌ كثير التفكير والقلق تصل به أفكارُه إلى مُعضِلاتٍ لا حلّ لها، ولا يرتاح باله حتى يبلغ بعَقْدِه الأفكارَ ...