تعاسة أن تكون عَزَبًا وبوسيدون – فرانز كافكا (ترجمتان)
تعاسة أن تكون عَزَبًا
يبدو الأمرُ فظيعًا أن تظلّ عَزَبًا إلى الأبد، وتصبحَ شيخًا إذا أرادَ تمضيةَ المساء مع أحد فعليه أن يتنازل عن بعض وقارِه ويدعوَه إلى المجالسة، وأن تمرض فتقضي أسابيعَ تنظرُ من زاوية سريرِك إلى الغرفة الخالية، وأن تودّعَ الناس عند الباب دائمًا، وألا يضيق عليك صعودُ السلّم مع زوجتك، وألا تؤديكَ أبواب غرفتك إلى غير شقق الآخرين، وأن تحمل عشاءَك بيد واحدة، وأن تحبَّ أطفالًا لا تعرفهم، ولا يسمحُ لك بأن تكتفي بترديد قولِك:" ليس عندي أطفال."، وأن تُشكّل مظهرَكَ وسلوكَك شكلَ رجلٍ أو رجلَين عَزَبَيْن ممن تذكُرُهما في طفولتك.
هذا ما سيكون؛ سواءً اليوم أو في مستقبل الأيام، ستكون أنت الواقفَ ثَمَّهْ، بجسدك، وبرأسٍ حقيقيّ، وجبهة تستطيع أن تصفعَها بيدك [ندمًا].
بوسيدون
جلسَ بوسيدون إلى مكتبه يراجع الحسابات الموكلة إليه، إذ وُكِلَتْ إليه مسؤولية البحار والمحيطات جميعِها، فكان عمله لا نهاية له، وكان بإمكانه أن يكون له مساعدون بعدد ما يطلب، ولديه فعلًا عدد كبير منهم، إلا أنه أخذ منصبَه على محمل الجد، وبات يدقق بنفسه على كلّ شيء، ولذلك قلّ نفعُ مساعديه.
لا يمكنُ أن تقولَ إن عمله يورثُه لذةً، فإنما يعمله لأنه وكِلَ إليه فقط، الحقُّ أنه تقدّم أكثر من مرةٍ بطلبِ عملٍ "أكثرَ بهجة" كما كان يصفه، ولكن كلُّ ما عُرض عليه لا يتجاوز عمله الحاليّ رضًى.
ويصعُب أن يجد عملًا آخر متعلقًا بالبحار، فيصعب مثلًا أن يعيَّن على بحر محدّد، ولو وجد وغضضنا الطرف أن العمل الحسابي ثَمَّ لن يكون أصغرَ، بل أتفه؛ فإنّ بوسيدون المُحتَرَم لا يليق به إلا المنصب القيادي الرفيع.
وإذا ما عُرِضَ عليه عملٌ خارج الماء فإن مجرّد التفكير بهذا يجعل نفسَه تتغَثّى، ويختلّ تنفّسُه السامي ويَثقُل، ويهتزّ صدرُه النحاسيّ ويضطرب.
وعلى كلّ حال؛ لم تكن شكواهُ تؤخذُ على محمل الجدّ، عندما يتبرّم الرجل القوي فعليك أن تُظهر مساعدته ولو لم تكن مُجديًا، ولكن لم يقترحْ أحد البتةَ أن يُعفى بوسيدون من منصبه، فقد كان المسؤولَ عن البحارِ منذ الأزلِ، ويجب أن يبقى الأمرُ كذلك إلى الأبد.
وكان يزعجُه على التحديد سماعُه أن الناسَ يتخيّلونه دائمًا راكضًا على الأمواج بحربته ثلاثيّة الشُعَب، وهذا كان أساسَ تذمّره من منصبِه، لأنه في الحقيقة قابع في أعماق المحيط يقلّبُ أوراق الحسابات، ولا ينقطع عن هذه الرتابةِ إلا بزيارة عَرضيّة إلى المشتري، والتي يعود منها غالبًا يستشيطُ غضبًا.
هو بالكاد رأى بحرًا إلا لَمْحًا عابرًا عند صعوده جبال الأولب، كان يُديرُ على لسانه دومًا أنه ينتظر نهايةَ العالم، ففي تلك اللحظة سيكون الجوّ هادئًا، وسينتهي من دفاتر الحسابات، وستتسعُ له لحظةٌ يلقي فيها نظرةً حولَه.
🌷🌷
ردحذف