الأربعاء، 16 يوليو 2025

كافكايَ غيرُ كافكاهمْ

 كافكايَ غيرُ كافكاهم

قرأت لفرانز كافكا بعض رواياته الطويلة والقصيرة: رواية التحول، ورواية المحاكمة، وقصصًا قصيرة ترجمت بعضها كما رأيتم.. حقيقةً الحَقْل الذي يمشي فيه كافكا لا يعجبني من غيره، ولكن حينما أقرأ لكافكا أشعر أنني متقبل، كافكا يُبلّغك المعنى بوضوح، وهذه الفصاحة نادرة، لذلك لا أتقبل غيره يتحدث في هذه الأمور.

حين يقول في رسالته إلى ميلينا:

"لن تستطيعي البقاء بجانبي ليومين، أنا رخو أزحف على الأرض."

العلة غريبة، ما معنى "رخو أزحف على الأرض" ؟ بكلّ عفوية فسّرها كافكا فقال بعد ذلك: "انطوائي كئيب متذمّر أنانيّ سوداويّ"

فقوله: "رخو أزحف على الأرض" فيها مشاعر كثيرة جدًا من الكآبة واليأس من الحياة، والملل من النفس، ولوم النفس على ما أخطأت فيه وما لم تُخطئ.

بعض المعاني التي أقرؤها عند كافكا، أجدني كتبت مثلها قديمًا، مثلًا في رسالته إلى ميلينا قال: "لم أتمكن من أن أتذكّر وجهك، ولا تذكرت شيئًا من ملامحه بصورة واضحة، أذكرك فقط بينما كنتِ تبتعدين وسط مقاعد المقهى، هيئتك بصفة عامة، ثوبك… ما زلت أذكرهما."

وقلت:

وأُنسيتُ من فَقْدٍ ملامح وجهها

سوى ظلّ طَيْفٍ في ظلام الدجى يسري

مثل هذا التشابه غير المقصود يقرّبني من كتابات الكاتب، وهذا الذي كان مبدأ التفاتي إلى دوستويفسكي، حين قرأت (في قبوي) فوجدت فيه صورتي لو تطرّفت، فكان تنبيهًا لي ألا أستمرّ في طريقة تفكيري حتى لا أصير كبطل رواية (في قبوي).

وقرأت لكافكا رواية (المحاكمة) فشبهتها برواية جورج أورويل (١٩٨٤)، ربما يكونان ينطلقان من فلسفات متباينة؛ غير أني وجدتُ في الروايتين شعور الحبس، والقمع، وعدم وضوح الحقيقة، والإحاطة من كلّ جانب، ومحاصرة جميع الحلول، ولكنّي كرهت أورويل وروايته، وأعجبني كافكا وروايته.

وقرأت لكافكا (التحول)؛ هذه الرواية أكثر رواية سمعت بها في الجامعة، ولأني كنت طالبًا مُهملًا فإني لا أذكر لم كانت تُذكَر، ولا أعلم في أي سياق علمي يُستشهد بها، عمومًا كانت صورة كافكا فاسدة في ذهني، حسبته معقدًا، يكتب بكتابة حمقاء ككتابات الحداثيين، كتابة لا معنى لها، ثم قرأت (التحول) بعد سنوات من تخرجي، فرجدتها رواية طريفة، كابوسية نعم، فليس جميلًا أن تُصاحب بطلًا صحا من نومه فوجد نفسه حشرةً ولا يدري ما يفعل لهذه الظاهرة، وهمله ينتظره ومجتمعه يرقب خروجه من غرفته، نعم هي كابوسية ولكن فيها حوارات وأحداث جعلني تحيُّلُها أضحك.

وترجمت لكافكا قصصًا قصيرةً، منها قصة (بوسيدون) و(رسالة من الملك) هاتان القصتان صوّرتا يأسي من كلّ معاملة تحتاج توقيع المدير فلان واعتماد الجهة الفلانية، مما يجعلني مُجمَّدَ الحياة، لا أعرف كيف أتاجر أو أطبع كتابًا، ثَمّ لكلّ شيء تعمله ثمنٌ من التواقيع الرسمية، والختوم والأوراق، والبيروقراطية التي يتكلم عنها كافكا وينتقدها، هذا أيأسني من أن أجاري الناس في كل ميادين الحياة، ووجدتُ كافكا يصف المأساة البيروقراطية أدقّ وصف.

بودي لو أقول أن كافكا صديقي، ولكن من يتناقلون رواياته وأفكاره من جهة فلسفته الوجودية أو العبثية أو ما لا أدري من مَخْرقات الغرب يقرأونه بطريقة مغايرة جدًا لطريقتي، وذا ما يجعلني أتحفّظ دون قولي: كافكا صديقي. لا أريد أن أقف معهم على صعيد واحد، أنا أقرأ لكافكا من جهة الشعور المشحون في كلامه فقط، لا ألتفت لفلسفة أحد من العالَمين، هو صديقي بطريقة مختلفة عن بقية الناس.

هناك 5 تعليقات:

  1. "مما يجعلني مُجمَّدَ الحياة، لا أعرف كيف أتا رأو أطبع كتابًا، قمّ لكلّ شيء"
    ما المقصود هنا؟

    ردحذف
    الردود
    1. أخطاء مطبعية، عدلتها

      حذف
    2. كنت نشرت في القناة القديمة أن أي أحد يمكنه تسجيل الكتب بمعرفة النبرة المناسبة لصوته
      فكيف أعرفها؟

      حذف
  2. جميل جداً استمرّ في كتاباتك اتمنئ ان تكون كاتباً بالفعل

    ردحذف

رأي ثالث في قصيدة حسن صميلي

 رأي ثالث في قصيدة حسن صميلي لستُ أبدي رأيًا في شعرٍ لم يطلبه شاعرُه، فإني أغنى الناس عن قولة: "مَنْ طَلَبَ رأيك؟". ولكنّي وجدتُ ا...