الأحد، 24 أغسطس 2025

من ذكريات الجامعة ٢

 من ذكريات الجامعة ٢

لعلّي أشعرُ بنشوةٍ من الفَخْر حين أتذكّر أنني تخرّجت من كليّة الآداب في جامعة الكويت، لأنها اجتمع فيها علماء يضع لهم التاريخ جناحه.

أنشأ قسم اللغة العربية أساتذة في اللغة والأدب، فمن الكويت عبد الله العتيبي وعبد الله المهنا، ومن خارجها شيخ المحققين عبد السلام هارون وترأَّسَ القسم، ودرستُ عند د. عبد الله الغزالي وكان درس عنده، يحدثنا عنه يقول: "قرّر علينا في مادة النحو حاشية الصبّان. وكان يأتي قبل المحاضرة فيأمر الخادم بأن يعدّ له شاي كُشري ويجهّز غليونه، حتى إذا انتهى بدأت المحاضرة." المادة التي درستها عند د. الغزالي هي (الأدب المملوكي والعثماني).

كانت هذه الشُعبة من أعجب الشُعَب، كنّا أربعة طلبة وخمس عشْرة طالبة! قرّرَ علينا كتابه في الأدب المملوكي والعثماني، ولم يكن أحد من الطلبة يحسن القراءة السليمة غيري والشاعر رجا القحطاني، وطالبتَيْن لو شئتُ أن أسميهما لفعلت.

أنا لا أحبّ هذا الأدب، كبيره وصغيره، ولم أكن أعترض، ولكن لا يظهر علي الطرب، فأذكر أننا درسنا مقامةً للا أدري من، وانتهت المحاضرة، فسألني الدكتور والطلبة يخرجون: "ما رأيك؟ ألم أثبت لكم أنه ليس عصر انحطاط؟" فقلت له: "بلى، ولكن ليسوا كالحريري والبديع؛ أولئك مصاكّة!" (مصاكّة جمع مصكّ بتخفيف الصاد وتشديد الكاف: كلمة كويتية توصف لأعلى مراتب القوة).

وفي يوم حدث كلام عن الغناء، وأن الجيل الحالي لا يعرف الطرب الأصيل، ثم سأل الدكتور: "هل تعرفون ليلى مراد؟" فلم يُجِبْ أحد، فأخرج هاتفَه وشغّل مقطعًا لها، فكان الصوت مشوشًا حادًّا عتيقًا، فقالت إحدى الطالبات -وسأنقل ما قالت باللهجة على توجيه الجاحظ-: "وَعَلَيَّهْ شْفيها تَبْچي!؟" أي: وا شفقتي عليها، ما بالها تبكي؟. فأغلق الدكتور هاتفَه، وغسل يدَه من هذا الجيل.

وفي مرةٍ تكلّم عن تحقيق المخطوطات، وقد حقق الدكتور كتاب (الطراز المنقوش) وكتاب (الرياض المزهرة) ولكنّ الطلاب لم يفهموا ما المخطوطات، فجاء من قابل بصورة مخطوط من العهد العثماني، وأراهم إياه ثم قال: خالد تعال بجانبي. فجلست، وأعطاني الصورة وقال: هيا اقرأ. نظرتُ إلى المخطوط فإذا هو من أسوأ المخطوطات ترتيبًا وخطًا، فقرأت ما استطعت، وتلعثمت تلعثمًا منكرًا.

ومن الطرائف بعد الاختبار أنه استعرض علينا بعض الملاحظات، فقال: إحدى الطالبات لم تكتب الأبيات في سطر منفصل، تكتب قال الشاعر وجانبه البيت وجانب البيت التحليل! وأخرى عكس ذلك في التنسيق؛ كتبت العناوين بالأحمر، والأبيات بالأخضر، والتفسير بالأزرق! فقالت إحدى الطالبات: أنا صاحبة الحل، أريد أن يكون "كشخة"!

هناك 5 تعليقات:

  1. انا محظوظ لأني في نفس الكلية 😄

    هل هناك دكاترة اصحاب علمية قوية في الكلية تنصحنا بأن نستفيد منهم ونسجل عندهم ؟؟؟

    ردحذف
    الردود
    1. جاسم الفهيد، عبد العزيز سفر، حسين بوعباس، زكريا الكندري

      حذف
    2. ما قصرت 🌹🌹🌹

      حذف
  2. من منَّا لا يُريدُ امتلاكَ حلٍّ "كشخة"؟

    ردحذف
  3. لديك حس وصفي ماتع، حين أدخل في جو السالفة أجدها قد انقضت سريعا، لا حرمنا الله سردك

    ردحذف

الحَلُّ لكل شيء

 الحلُّ لكلّ شيء حين يجلس وحدَه رجلٌ كثير التفكير والقلق تصل به أفكارُه إلى مُعضِلاتٍ لا حلّ لها، ولا يرتاح باله حتى يبلغ بعَقْدِه الأفكارَ ...